كل قرارٍ في شركتك قابلٌ للمراجعة إلا قرار من توظّف. فهو القرار الذي يحدد ثقافة العمل ومستوى الإنجاز وحتى ملامح النجاح القادمة. وكما يقول جو مانسويتو: «نجاحك كمدير يُقاس بقدرتك على اختيار الأشخاص من حولك». ولأن المقابلة الشخصية هي مرآتك الحقيقية لاكتشاف الكفاءات، سنأخذك في هذا المقال في جولة عملية لاكتشاف فنّ تصميم أسئلة المقابلات التي تكشف ما وراء السيرة الذاتية.
جدول المحتويات
- فن طرح الأسئلة في 7 خطوات
- 1. اهتم بتحضير أساسيات المقابلة
- 2. اربط السؤال بالمهارة المطلوبة
- 3. اعتمد منهجية واضحة
- 4. صغ الأسئلة بمستويات مختلفة
- 5. اربط بعض أسئلتك بثقافة منشأتك
- 6. نوّع بين أساليب أسئلتك ولكن بحذر
- 7. راقب اللغة غير اللفظية واستفد منها
- أمثلة عملية على أسئلة يجب تجنبها
- كيف تنجح في الكشف عن المهارات الحقيقية من إجابات المرشحين؟
- مثال عملي
- كلمة أخيرة
ليس ثمة قرار يحدد مصير شركتك أكثر مِن قرار مَنْ تُوظّف. يقول في هذا الصدد رائد الأعمال جو مانسويتو: «إن نجاحك كمدير يُحَدَّد بمدى براعتك في اختيار الأشخاص من حولك».
ومع أن هذه العبارة تبدو للوهلة الأولى تحفيزية، إلا أن جوهرها يضع حملًا ثقيلًا على مسؤولي التوظيف؛ فهي تؤكد بوضوح أن نمو شركتك وثقافتها ومستوى التزامها وقدرتها على بلوغ أهدافها المرجوّة، كلها أمور ترتبط ارتباطًا وثيقًا بقدرتك على انتقاء الموظفين المؤهلين فعلًا.
ولمّا كانت مقابلة العمل هي أداتك الإستراتيجية للتحقق من مهارات المرشحين وملاءمتهم لفريقك، فإن المقال التالي سيتناول بتركيزٍ كيف تُصاغ أسئلة مقابلات العمل، وما المعايير التي تجعلها تكشف لك حقًا عن أفضل المتقدمين. لذا، تابع قراءتك معي بعناية.
فن طرح الأسئلة في 7 خطوات
1. اهتم بتحضير أساسيات المقابلة
أول خطوة هي تحديد نوع المقابلة التي ستلتزم بها مع المرشحين: هل ستكون مقابلاتك منظمة (بأسئلة موحدة لكل المرشحين لضمان الاتساق) أم غير منظمة (لترك مساحة أكبر للحوار والاستكشاف) أم نصف منظمة Semi-structured (بمزيجٍ من أسئلة أساسية ثابتة مع مساحة مرنة لأسئلة إضافية حسب مسار الحديث)؟
بعد ذلك انتقل إلى رسم الإطار العام للأسئلة: اسأل نفسك، هل ستُركز أكثر على المهارات التقنية الدقيقة المطلوبة للدور، أم على المؤشرات السلوكية الحرجة التي تُميز الموظف الناجح في بيئة العمل الفعلية؟
2. اربط السؤال بالمهارة المطلوبة
من الأخطاء الشائعة التي تمنع تقييم مهارات المرشحين بفاعلية هي ترديد ما ورد في السيّر الذاتية عبر أسئلةٍ نمطية من قبيل: «حدثني عن خبرتك في المشروع السابق» أو «ما المشاريع التي عملت عليها في شركتك السابقة؟».
الفكرة هنا أن هذه الأسئلة لا تضيف عادةً معلومات قيمة؛ فهي مجرد تكرار لمعلومات قد تجدها بسهولة في ملفات المرشحين وسيرهم.
وبناءً على هذه المعطيات، من الأفضل أن تلتزم بالأسئلة التي تقيس الكفاءات مباشرةً من خلال سيناريوهات عملية، كأن تسأل:
لُب الموضوع: إن التحول في صياغة أسئلة المقابلات من مجرد استعراض للسيرة الذاتية إلى مواقف عملية واقعية يسمح بإجراء اختبارٍ حقيقيٍ لمؤهلات المتقدم، ويكشف في الوقت نفسه عن حسن تعامله وقدرته على التفكير النقدي والاستدلال. وهنا تبرز أهمية ما أكّد عليه جيف سمارت في كتابه من؟ الطريقة ألف في التوظيف – Who: The A Method for Hiring حين قال: «أول مواطن الفشل في التوظيف أن تغيب عنك الرؤية الواضحة لما تريد من الموظف الجديد أن يحققه».
ومعنى ذلك أن وضوح الغاية من كل سؤال ليس تفصيلًا ثانويًا، بل هو الأساس الذي يُبنى عليه كل شيء لاحقًا؛ بدءًا من الصياغة الحكيمة، ووصولًا إلى تقييم ارتباط إجابات المرشح بالتطلعات المرجوّة فعلًا.
3. اعتمد منهجية واضحة
إذا سألت المتقدم سؤالًا عامًّا مثل: «كيف تتعامل مع ضغوط العمل؟»، ستسمع عادةً إجابات إنشائية من قبيل: «أنا أُدير وقتي جيدًا وأحافظ على هدوئي». نعم، هي إجابة جميلة ومباشرة، لكنها غير قابلة للقياس أو التقييم.
لكن إذا صغت أسئلتك بمنهج «الوضع– الفعل– النتيجة»، ستتلقى عادةً إجابات أكثر تفصيلًا. أي اجعل سؤالك على شاكلة: «احكِ لي عن موقفٍ محددٍ واجهت فيه ضغطًا عاليًا في العمل، ما الخطوات التي اتخذتها؟ وما النتيجة التي حققتها؟».
في هذه الحالة، ينبغي على المرشح أن يُقدم وضعًا محددًا وأفعالًا واضحة ونتيجة قابلة للقياس. وإن لم يُقدِّم ذلك، فستتمكن عندئذٍ من تقييم إجاباته سلبيًا بكل سهولة.
ملحوظة: باستطاعتك أيضًا أن تُضيف بُعدًا آخر على صياغة أسئلتك، وهي أن تسأل المرشح عن الدور الذي طُلب منه لتنفيذ المهمة. على سبيل التوضيح:
لُبّ الموضوع: إذا تأملت معي في أهمية الفقرة السابقة، ستجد أن السؤال الجيد هو الذي يدفع مرشحك إلى تقديم قصة كاملة عن الوضع الذي واجهه والخطوات التي اتخذتها والنتيجة النهائية المترتبة على خطواته. لذا، كلما التزمت بهذا الطرح، ستزداد قدرتك على التمييز بين المرشح الذي يتحدث بإنشائية والمرشح الذي يملك منهجية واضحة ونتائج قابلة للقياس. الأمر الذي يمنحك قالبًا عمليًا لصياغة سؤال يضمن الحصول على إجابة غنية بالمعطيات بدلًا من العموميات.
4. صغ الأسئلة بمستويات مختلفة
طريقة أُخرى لصياغة أسئلة فعالة هي أن تطرح استفساراتك بمستوياتٍ مختلفة من العمق؛ أي لا تطلب التفاصيل الكاملة مرةً واحدة، بل تتدرج في ذلك:
- ابدأ بسؤال تمهيدي يعطي المتقدّم فرصة لفتح الموضوع دون توترٍ كبير،
- ثم اتبعه بسؤالٍ تطبيقي تطلب فيه موقفًا حقيقيًا، لتعرف كيف تصرّف المرشح في الظروف الفعلية،
- ثم اختم بسؤال استقصائي/تحدٍّ مستقبلي تختبر فيه قدرته على التخطيط أو التنبؤ.
مثال توضيحي: لتفترض معي هنا أنك توظّف مدير تسويق رقمي في شركتك، وأردت معرفة المزيد عن مهاراته في إدارة فِرق العمل عن بُعد. في هذه الحالة، يمكن أن تصيغ أسئلتك على النحو التالي:
5. اربط بعض أسئلتك بثقافة منشأتك
لا تكتفِ بالتركيز على الأسئلة التقنية أو السلوكية فقط، بل فكّر أيضًا في طرح بعض الأسئلة التي تكشف قِيم المتقدم وطريقته في التعامل مع الظروف اليومية التي قد تُقابله في شركتك.
لذا، حدد في هذه المرحلة مجموعة من القيم الضرورية في هذا الدور الوظيفيّ، ثم استكشف أسلوب المرشح في تطبيقها.
انظر معي إلى هذه الأمثلة:
6. نوّع بين أساليب أسئلتك ولكن بحذر
طرح أسئلة ضغط
إلى جانب الأساليب السابقة لصياغة أسئلة مقابلات العمل، فكّر في إدخال أسئلة الضغط التي تضع المرشح في سيناريو ضاغط، مثل إدارة أزمة مفاجئة أو اتخاذ قرارٍ سريعٍ مع نقص المعلومات. لاحظ أن الهدف هنا ليس إرباك المتقدم أو إضعاف قوة إجاباته، بل الغرض الرئيسي هو قياس قدرته على التفكير النقديّ وضبط الانفعال وإعادة ترتيب الأولويات.
ولتوضيح هذا الأسلوب، انظر إلى السؤال التالي: «تخيل أن نظام الدفع الإلكتروني توقف فجأة خلال ساعة الذروة، ومعظم الفريق غير متاح. كيف ستتصرف خلال أول 30 دقيقة، وما الأولويات التي ستحددها؟».
طرح أسئلة مقارنة
فكّر أيضًا في الاستعانة بالأسئلة المقارنة التي تطلب من المرشح تقييم بديلين أو أكثر أو مقارنة إستراتيجيات مختلفة، مع تبرير اختياره. تكشف هذه الطريقة عمق التفكير التحليلي والقدرة على المفاضلة بين حلول معقدة وإمكانات تقييم المخاطر والفرص المحتملة.
ومثال ذلك: «لنفترض هنا أنه لديك خياران لإطلاق حملة تسويقية: الخيار الأول هو إطلاق الحملة بميزانية عالية مع مخاطرة كبيرة، أما الخيار الثاني فميزانيته أقل مع مخاطرة منخفضة. كيف تختار، ولماذا؟»
دمج الطريقتين
يمكنك دمج سؤال ضغط مع سؤال مقارنة في سيناريو واحد لمستوى الخبراء أو عندما ترغب في زيادة تعقيد الأسئلة أو تشعبها. ومثال ذلك:
- «تخيل أنك تواجه عطلًا تقنيًا كبيرًا خلال حملة تسويقية حاسمة، مع خيارين لمعالجة المشكلة بسرعة: أ) إعادة توجيه ميزانية الحملة الحالية مع مخاطرة خسارة بعض العملاء، ب) تأجيل الحملة لإصلاح المشكلة دون خسارة العملاء. أي خيار ستختار؟ وحاول أن تُبرر قرارك خلال دقيقة واحدة».
- «أنت تُواجه شكاوى متكررة من عميل رئيسي يهدد بفسخ العقد. وأمامك خياران: أ) التفاوض مع العميل مباشرةً لتقديم حلول سريعة مع احتمال التأثير على العمليات اليومية، ب) تأجيل التفاوض لتحليل البيانات وجمع الفريق، مع احتمال غضب العميل. كيف تتصرف ولماذا؟».
- «لنفترض أنك مدير فريق موزع على 3 قارات، وواجهت فجأة تعطل نظام التواصل الأساسي. ولديك في هذا الموقف خياران: أ) تحويل الاجتماعات اليومية إلى بريد إلكتروني ورسائل فورية مع احتمال فقدان التنسيق، ب) استئجار حل بديل مؤقت للتواصل مع كلفة مالية كبيرة. أي خيار ستختار، ولماذا؟».
توصية في الصميم: تُتيح الأسئلة الافتراضية إظهار التفكير التحليلي وحل المشكلات والقدرة على مقارنة البدائل، وهي مفيدة في الوظائف القيادية أو الابتكارية. لكن يُرجى ملاحظة أن إجاباتها عادةً ما تكون نظرية وقد لا تعكس السلوك الفعلي عند مواجهة موقفٍ حقيقيّ على أرض الواقع. لذا، من المفيد استخدامها كمكملٍ للأسئلة السلوكية وليس كبديلٍ عنها. ويجب أن تكون السيناريوهات واقعية ومرتبطة مباشرةً بالتحديات المحتملة في الوظيفة. يُفضل أيضًا أن تُركز على تقييم منهجية التفكير والتحليل التي اتخذها المرشح، بدلًا من البحث عن إجابة مثالية فورية.
7. راقب اللغة غير اللفظية واستفد منها
لا تكفي أسئلة المقابلات وإجاباتها لتكوين صورة متكاملة عن المرشح. فهناك جانب آخر لا يقل أهمية، ألا وهو: اللغة غير اللفظية، والتي تمثل مؤشّرًا خفيًا لكنه بالغ الأثر في كشف شخصية مرشحك وقدرته على التواصل ومستوى ثقته بنفسه، بل وحتى مدى انسجامه المحتمل مع بيئة الشركة وفريق العمل.
وتزداد أهمية هذا الجانب حين ندرك أن الإشارات غير اللفظية قد تُقدّم أحيانًا دلالات أعمق من الكلمات نفسها. وهو ما تؤكده خبيرة لغة الجسد باتّي وود، مؤلفة كتاب الاستفادة القصوى من الانطباع الأول، إذ تقول:
«يمكن للمرشح أن يصدر آلاف الإشارات غير اللفظية خلال الدقيقة الأولى من لقائه مع مدير التوظيف، وهذه الرسائل تؤثر أكثر بكثير من الكلمات التي يستخدمها في أثناء المقابلة. فلغة جسدنا تكشف الكثير عن شخصيتنا وحالتنا العاطفية…».
وهنا يبرز سؤال: ما الذي يجب مراقبته وتحليله إلى جانب الإجابات؟
إليك هنا قائمة تحقق تساعدك على تقييم الإشارات غير اللفظية بتوازن:
أسئلة يجب تجنبها في مقابلة العمل
من الأخطاء التي قد تُلاحظها كثيرًا في مقابلات العمل هي الاعتماد على أسئلة انطباعية عامة أو افتراضية غير واقعية، مثل السؤال المشهور: «أين ترى نفسك بعد خمس سنوات؟» أو «ما الذي يجعلك مميزًا؟». الفكرة هنا أن هذه الأسئلة لا تكشف عن المهارات الحقيقية للمرشح، بل تفتح الباب لإجابات نمطية محضّرة مسبقًا.
والأسوأ من ذلك أن بعض الأسئلة قد تتجاوز الحدود القانونية أو الأخلاقية إذا تعلقت بحالة المرشح الاجتماعية أو معتقداته أو أي تفاصيل شخصية لا علاقة لها بالكفاءة. لذا، دعنا نتفق هنا على قاعدة ذهبية وهي: اسأل فقط عمّا يرتبط مباشرةً بالوظيفة وكفاءات النجاح فيها؛ لأن كل ما عدا ذلك يعرّض عملية التوظيف لانحياز غير مقصود.
أمثلة عملية على أسئلة يجب تجنبها
- هل سبق أن فشلت في عمل ما أو فُصلت منه؟ (يُستخدم بطريقة انتقاصية، والأصح أن تسأل: «ما الدروس التي تعلمتها من أصعب تجربة مهنية مررت بها؟»).
- ما رأيك في توجهاتنا السياسية؟
- ما رأيك في مظهرك أو وزنك؟
- هل لديك ديون أو التزامات مالية كبيرة؟ (سؤال شخصي وغير مشروع إلا في وظائف مالية حساسة جدًا ومع اشتراطات قانونية خاصة).
كيف تنجح في الكشف عن المهارات الحقيقية من إجابات المرشحين؟
لتقييم إجابات المتقدم، حدد أولًا مستويات الأداء المتوقعة من الإجابة، ثم أنشئ سلمًا من 3 إلى 5 مستويات. وَصِفْ ملامح الإجابة المناسبة لكل مستوى، ثم حدد عناصر الإجابة النموذجية بحيث تعرف متى تمنح المتقدم الدرجة الأعلى بسهولة.
مثال عملي
لنفترض هنا أنك سألت للمرشح السؤال التالي: «احكِ لي عن موقفٍ واجهت فيه تحديًا معقدًا في العمل، كيف تعاملت معه؟ وما النتيجة التي حققتها؟».
لاحظ معي أن هذا السؤال يختبر مهارة حل المشكلات. ويمكنك تقييم الإجابات التي ستحصل عليها تبعًا لهذا السُلّم (من 1 إلى 5):
كلمة أخيرة
إلى جانب التوصيات السابقة، أُوصي بغلق مقابلة العمل بدعوة المرشح للتفكير النقدي في تجربته. على سبيل المثال، يمكن أن تسأله: «لو عدت إلى تجربة مهنية سابقة، ما الخطأ الذي كنت ستتعامل معه بطريقةٍ مختلفة ولماذا؟»؛ لأن هذا السؤال يكشف مدى وعي المرشح الذاتي وقدرته على التعلم من تجاربه السابقة واستعداده للتطور المهني المستمر، وهي مؤشرات أساسية للنجاح طويل المدى.
في النهاية، صياغة أسئلة المقابلات هي رحلة تتطور مع كل مقابلة. لذا، حاول دائمًا أن تستخرج أفضل الأسئلة التي ساعدتك فعلًا على اكتشاف مؤهلات المرشحين والتأكد منها، وثبّتها في هيكل مقابلاتك القادمة.
وللاستزادة من دائرة المعرفة، اطلع على مقالنا التالي: كيف تحول تجربة المرشح إلى ميزة تنافسية لشركتك؟