جدول المحتويات
لندخل في صميم الموضوع مباشرةَ ودعني أسألك هنا: كم مرة خرجت من مقابلة العمل وأنت تتساءل: هل قيّمت المتقدم بموضوعية أم أن انطباعك الشخصي هو الذي غلب؟ وكم مرة ترددت بين مرشح يملك المهارات التقنية وآخر يبدو أكثر انسجامًا مع ثقافة شركتك؟ وكم مرة احترت في اختيار الأسئلة دون أن تجد آلية واضحة تُرشد قرارك؟
في الحقيقة، هذه المواقف متكررة في بيئة العمل اليوم التي تتسم بتسارعها وشدة الطلب على الوظائف الشاغرة. وعادةً ما تكمن جذور هذه الحيرة في غياب إطار مُنظَّم ومُوحّد لإدارة المقابلة من لحظة التخطيط وحتى اتخاذ القرار النهائي.
إذًا، كيف يمكننا التحضير لمقابلات العمل؟ وكيف ننتقي الأسئلة المناسبة؟ وما هي الآليات الواجب اتباعها لضمان تقييمٍ عادلٍ يُظهر هوية الشركة وحسن تعاملها مع المرشحين؟
هذا ما سنُجيب عنه تفصيلًا في الأسطر التالية. لذا، تابع قراءتك معي بعناية.. جاهز؟
كيفية التحضير لمقابلة العمل
1. حدد أولًا الهدف من المقابلة
قبل أن تجلس أمام مرشحك وتشرع في طرح الأسئلة، ينبغي أن تسأل نفسك: ما الهدف الحقيقي من هذه المقابلة؟ وما الأسلوب الأمثل الذي سيُحقق لك هذا الهدف؟ وهل ستُركزّ على المقابلات السلوكية التي تكشف لك سلوك المرشح في المواقف السابقة، أم المقابلات التقنية التي تختبر فيها مهاراته؟
ستُوجهك هذه الأسئلة إلى نوع المقابلة المناسب في هذه المرحلة، فضلًا عن تحديد أسلوبها الأمثل.
ولتوضيح ذلك، دعنا ننظر معًا إلى بعض أشكال مقابلات العمل الشهيرة:
أشكال المقابلات وعلاقتها بالهدف
المقابلات الهاتفية
تُستخدم المقابلات الهاتفية غالبًا كمرحلة تمهيدية تتراوح مدتها من 15 إلى 30 دقيقة. وهدفها الأساسي هو الفرز الأولي للمتقدمين؛ إذ تُطلعك على مهارات التواصل ومدى ملاءمة السيرة الذاتية مع متطلبات الوظيفة، فضلًا عن التحقق السريع من مؤهلات المرشح العامة. وبهذه الطريقة، تُوفِّر عليك مقابلات العمل عبر الهاتف وقتًا وجهدًا قبل الانتقال إلى مقابلاتٍ أكثر تعمقًا.
المقابلات عبر الفيديو
يزداد الاعتماد على هذا الشكل من أشكال المقابلات بمرور الوقت، خصوصًا مع توسع العمل الهجين واعتماد الشركات على فِرق متعددة المواقع. ويمكن تنفيذ مقابلات الفيديو بأكثر من أسلوب، كإجراء المقابلة مع مسؤول واحد أو لجنة تقييم أو حتى اختبار مهارات المرشح عبر الفيديو مباشرةً.
المقابلات المباشرة (وجهًا لوجه)
تُعرفك هذه المقابلات على مدى انسجام المرشح مع ثقافة الشركة، وتمنحك مؤشرات واضحة على مستوى ذكائه الاجتماعي والعاطفي وقدرته على ترسيخ علاقة مهنية بنّاءة. وقد ترى أن مقابلة مباشرة واحدة تكفي أحيانًا، في حين تقتضي بعض الأدوار -بحسب حجم الصلاحيات وتعقيد المسؤوليات وتسلسل الموافقات- إجراء أكثر من مقابلة لضمان دقة الاختيار.
لاحظ معي أن المقابلات الوظيفية تُصنَّف عادةً إلى نوعين رئيسيين:
- المقابلات المنظمة، إذ تُطرح على جميع المرشحين أسئلة محددة مسبقًا وبمعايير تقييم واضحة.
- المقابلات غير المنظمة، التي يسير فيها الحوار بحرية أكبر دون ترتيب ثابت للأسئلة، ما يمنح المرشح فرصة للكشف عن جوانب شخصية مختلفة لكن مع احتمالية أعلى لظهور التحيزات.
 

أسئلة إرشادية
لضمان إتمام هذه الخطوة وفق هدف محدد، اسأل نفسك:
- ما الغاية الأساسية من مقابلة العمل مع هذا المرشح: الفرز أم التقييم أم اتخاذ القرار النهائي؟
- أي نوع من المقابلات يخدم هذا الهدف بأفضل صورة؟ (فكّر في المقابلات الهاتفية أو عبر الفيديو أو المباشرة).
- كيف تضمن أن المقابلة ليست استجوابًا أحاديًا بل حوارًا تفاعليًا؟
- ما الصورة التي تريد نقلها للمرشح عن شركتك بعد خروجه من المقابلة؟
- ما نوعية الأسئلة التي تخدم الهدف من المقابلة؟ (فكّر في الأسئلة السلوكية أو التقنية.. إلخ).
2. تأكد من فَهمك لمتطلبات الوظيفة
حتى وإن كنت ترى نفسك مُتمرّسًا في إجراء مقابلات العمل، فإن اعتمادك على الحدس أو الارتجال قد يقودك إلى قراراتٍ خاطئة (أو في أفضل التقديرات: قرارات غير واضحة).
تعرف على الوظيفة
وبناءً على ذلك، خذ وقتك الكافي لتتعرف على أساسيات الوظيفة بعمقٍ وأجب: ما هي الواجبات اليومية والمسؤوليات الجوهرية لهذا الدور؟ ما القدرات التقنية والمعرفية اللازمة؟ وأي مهارات سلوكية أو شخصية تُعتبر حاسمة لنجاح الموظف؟
قيّم الموظفين الناجحين
أُوصي أيضًا بالرجوع إلى تاريخ شركتك وتحليل أداء أفضل الموظفين الذين شغلوا هذا المنصب سابقًا، ثم ادرس السلوكيات أو الممارسات التي ميّزتهم عن غيرهم وضعْها في قائمةٍ واضحة. تُساعدك تلك الطريقة على تحديد عوامل النجاح في الوظيفة الشاغرة، كما تُمَكنك من صياغة أسئلة دقيقة تكشف لك مدى تقاطع شخصية المرشّح مع النموذج الناجح.
حدد التوقعات
إلى جانب ذلك، حدد توقعاتك عما يجب أن ينجزه الموظف خلال أول 6 أشهر أو في عامه الأول؛ لأن هذه التوقعات ستُسهِّل عليك الحكم على مهارات المرشح ومؤهلاته، فضلًا عن تزويده بتوقعاتٍ واضحة عن طبيعة العمل منذ البداية، مما يمنحه فرصةً لتقييم قدرته على الوفاء بهذه المتطلبات.

نموذج للمهام المطلوبة في هذه الخطوة
فيما يلي نموذج توضيحي للمهام المُوصى بتنفيذها خلال هذه الخطوة. يمكنك تعديل هذا النموذج بما يلزم ليلاءم الدور الوظيفي المنشود:

3. انتقِ أسئلة مقابلة العمل بعناية
إذا تأملنا معًا في أسئلة العديد من مقابلات العمل، سنجدها تعجز عن إظهار أصالة الشركات واحترافيتها. فهناك مسؤولون كُثر يُكررون الأسئلة دون التأكد من تناغمها مع أهداف الدور الوظيفي وتَطلعات المقابلة.
لذا، من المفيد أن تختار أسئلة المقابلة بعناية باتباع التوصيات التالية:
اربط كل سؤال بهدف واضح
قبل أن تكتب أي سؤال في دفتر ملحوظات المقابلة، اسأل نفسك: «ما الذي أريد معرفته من هذا السؤال؟». بعد ذلك، فكر في الطريقة المُثلى التي تسمح لك بالحصول على أفضل إجابة. على سبيل التوضيح: إن كان هدفك من أحد الأسئلة هو تقييم المهارات الفنية، حدد سؤالك بمهام عملية مرتبطة بالوظيفة. وإن كان هدفك التعرف على شخصية المتقدم، اربط السؤال بموقفٍ بارز يسمح له بسرد تجربته وأسلوبه في العمل.
تجنّب العموميات المكررة
جميعنا نعرف الأسئلة المكررة، مثل: «كيف ترى نفسك بعد 5 سنوات؟» أو «ما هي نقاط قوتك أو ضعفك؟». وعادةً ما يتدرب معظم المتقدمين على تلك العموميات، لتجد أن إجاباتهم لا تقدم قيمة حقيقية ولا تكشف عن دوافع شخصياتهم أو تفضيلاتهم. وبناءً على ذلك، أُوصي بتحديد أسئلك أكثر واستبدلها بأسئلة شبيهة بــ:
- لقد ذكرت أنك أنشأت الحملة الإعلانية الرمضانية في العام الماضي وحققت معدل مشاهدات أعلى بنسبة 80٪، اشرح لي كيف درست الحملات السابقة وحددت نقاط ضعفها؟
- استعرض موقفًا تطلّب منك اتخاذ قرار سريع على الرغم من نقص المعلومات، وكيف تعاملت معه؟
ولتحقيق استفادة أكبر في جانب انتقاء أسئلة المقابلات، أُوصي بالاطلاع على دليلنا التالي الذي يعرفك على قواعد صياغة أسئلة تكشف مهارات المرشحين الحقيقية.

وبعد التحضير للمقابلة بهذه الطريقة، حان الوقت لإجرائها على أُسسٍ واضحة..
إجراء مقابلة العمل
قبل موعد المقابلة
اطلع أولًا على سيرة المتقدم وإنجازاته وأي ملفات أُخرى مرفقة (مثل المشاريع السابقة). وتأكد من أنك أمضيت وقتًا كافيًا في دراسة جوانبها ومعرفة أوجه قوتها وضعفها تبعًا لمستوى الدور الوظيفي ومتطلباته. ولا تنسَ أن تُعْلِم المتقدم بأي أدواتٍ أو ملفاتٍ قد تُطْلَب منه في أثناء المقابلة بموعدٍ كاف.
ثانيًا: ألقِ نظرة متفحصة إلى مكان المقابلة وتأكد من جاهزيته (فكّر في عناصر مثل: وضوح الإضاءة وسهولة الجلوس وإمكانية التواصل البصريّ الفعال. وإذا كنت تُجري المقابلة عبر الفيديو، تأكد من جودة الصوت والصورة واستقرار الشبكة).
خلال المقابلة
ابدأ المقابلة بتحية ودودة واشكر المرشح على حضوره. ويمكنك أن تعرِض عليه هنا مشروبًا خفيفًا وأن تجري حديثًا قصيرًا لكسر الجليد وتخفيف التوتر، فالكثير من المرشحين يشعرون بالقلق في هذه المرحلة، خصوصًا في بدايات المقابلة. (لاحظ معي أن تخفيف التوتر مهم جدًا، لأنه يُوضِّح لك المرشحين الخجولين ممّن يفتقرون إلى مهارات التواصل الفعّال).
بعد ذلك، قدّم نفسك رسميًا، واشرح بإيجاز طبيعة عمل الشركة ودورك فيها، حتى تهيئ أرضية مشتركة للحوار. ثم شارك المرشح ملخصًا واضحًا عن الوظيفة التي يتقدم إليها، مثل:
- أهم المسؤوليات،
- الهيكل الإداري،
- أبرز التحديات،
- ومعايير الأداء المتوقعة.
بهذه الطريقة، ستُساعد المتقدم على ربط إجاباته وخبراته بالمتطلبات الفعلية للدور. ومن المفيد أيضًا أن تستعرض هيكل المقابلة من البداية؛ حتى تتمكن من موازنة التوقعات ومتابعة سير المقابلة بطريقةٍ أفضل.
نصائح إضافية
إلى جانب التوصيات السابقة، فكّر في اتباع الخطوات التالية لكي تُحسِّن من تجربة المرشحين:
- اجعل استماعك هو محور المقابلة: كقاعدة عامة يمكنك اتباعها هي أن تقضي 80٪ من وقتك منصتًا و20٪ فقط متحدثًا، حتى تتمكن من جمع أكبر قدر من المعلومات عن المتقدم ومهاراته الحقيقية.
- دوّن ملحوظاتك بذكاء: ليست الفكرة هنا أن تكتب كل كلمة يقولها المتقدم، بل أن تلتقط النقاط الجوهرية التي تؤثر فعلًا على عملية اختياره، مثل: إنجازاته البارزة والأمثلة العملية التي قدّمها وأي تفاصيل تساعدك لاحقًا على التقييم العادل والمقارنة الموضوعية بين المرشحين.
- امنح المرشح فرصة لطرح الأسئلة: تكشف هذه الخطوة الكثير عن دوافع المتقدم الحقيقية؛ أتجذبه مهام الوظيفة أم ميزة خاصة في شركتك أم أنه يركز فقط على الراتب والمزايا؟ (لاحظ معي أن غياب الأسئلة تمامًا -خصوصًا من المرشحين ذوي الخبرة- قد يكون إشارة مقلقة).
- دَوِّن الأسئلة التي تتلقاها: احرص على تدوين أسئلة المرشح؛ فهي تعكس اهتماماته وأولوياته. وإذا لم تستطع الإجابة في لحظتها، عِدْه بالإجابة المستفيضة بردٍ لاحق.
- التزم بالقوانين والمعايير المهنية والأخلاقية: أي تأكد من أن جميع الأسئلة متصلة بمهام الوظيفة وما يرتبط بها فقط. ودرِّب جميع المسؤولين الذين يجرون المقابلات على قواعد التوظيف القانونية، لتجنّب أي أسئلة قد تثير تحيزًا أو تمييزًا.
- اشرح الخطوات التالية بوضوح: قبل أن تُنهي المقابلة، وضّح للمرشّح ما سيحدث لاحقًا: أي متى سيتلقى ردًا، وما إذا كانت هناك مقابلات إضافية أو اختبارات أخرى، ولا تنسَ أن تُطلعه على الإطار الزمني المتوقع لاتخاذ القرار النهائي؛ لأن هذه الطريقة تمنحه شعورًا بالثقة والاحترام.

ما بعد المقابلة
اجمع ملحوظاتك من أدوات التقييم المختلفة، سواءً أستخلصتها من مراجعة السير الذاتية أو تحليل إجابات المرشحين في المقابلات، ثم نسّق اجتماعًا مع المسؤولين أو أصحاب القرار لمناقشة النتائج وتحديد الخيار الأمثل.
ولضمان دقة التقييم، احرص على تدوين تعليقاتك مباشرةً بعد انتهاء المقابلة حتى لا تضيع منك التفاصيل الجوهرية. أما إذا كان هناك اجتماع لاحق، فحافظ على حيادك وتجنّب مشاركة آرائك قبل الموعد المقرر، لتبقى النقاشات موضوعية بعيدًا عن أي تأثير مسبق.
وفي أثناء الاجتماع، لا تكتفِ بالانطباعات العامة، بل استند إلى أمثلة محددة دوّنها كل طرف خلال المقابلة. تقلّل هذه المنهجية من احتمالية التحيّز وتساهم في اتخاذ قرار أكثر موضوعية.
وبعد الاتفاق، اجمع كل الملحوظات في ملف منظم -يُفضل أن تستخدم هنا نموذج تقييم موحّد- ليسهُل الرجوع إليه لاحقًا عند مقارنة المرشحين أو عند مراجعة النتائج من قبل لجان أخرى في الشركة.

كلمة أخيرة
في كتابه فن اختيار أفضل الموظفين، يقول خبير الأعمال «كلاوديو أراوس» أنه لكي نختار أفضل المرشحين، يجب علينا أولًا أن نتأكد من قدرتنا على الاختيار الموضوعي؛ إذ بيّن:
«يتمتّع الأفراد الذين يُجيدون الحكم على الآخرين بمعايير تقييمية ملائمة، علاوةً على ذكاء عام وذكاء اجتماعي، إلا أنّ أهم هذه الجوانب قد تكون الدافعية؛ فإذا كان لدى المقيِّم الدافع لإصدار أحكام دقيقة على الفرد محل التقييم، والحرية في التزام الموضوعية، فسوف يحظى بفرصة جيدة لتحقيق هدفه».
لذا، تأكد من حيادية كل خطوة تخطوها وعدم انحيازها -الواعي أو غير الواعي- لأحد المرشحين. ويمكنك تحقيق الاستفادة القصوى في هذا الصدد بالاستعانة بما تُوفّره أنظمة تتبع المتقدمين المدعومة بالذكاء الاصطناعي من تحاليل وتقارير نزيهة، حتى تدمج قوة الآلة والحدس البشري في الآن ذاته.

قبل أن تتخذ قرار التوظيف التالي.. اكتشف كيف يوظّف القادة الأذكياء
اشترك في رسائلنا البريدية لتصلك أحدث محتويات تالنتيرا المتخصصة في جذب أفضل المواهب في أهم قطاعات الأعمال.

 
                                                 
                                                




 
				  